بسم الله الرحمن الرحيم
الكذب.. والخيانة من خصال اليهود
د. محمد بن سعد الشويعر
خصال كثيرة، يتوارثها فئات من اليهود، على مسيرة التاريخ تتمثل في الغطرسة والكذب، وقلب الحقائق والخيانة في العهود والوثائق المأخوذة عليهم، إلى جانب الحقد الدفين. نرى هذه الأمور بارزة في شارون، والمتطرفين معه، حيث يقلب الحقائق ليبرهن على أعماله حيال الشعب الفلسطيني الأعزل، تقتيلا وتهديما للمساكن على أهلها، وجرفاً للديار، واقتلاعاً للأشجار التي عليها حياة البشر وكل كائن حيّ.. بأعمال هي أسوأ ما عرفت في التاريخ. يعتدّ بقوته، وما علم أن الله أشدّ منه قوة، لا يفي بوعد ولا ينصاع لحكم، إنه يمثل الطائفة الذين مقتهم الله في القرآن الكريم، وعلى لسان أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.
أولئك الذين كذبوا على الله، وحرّفوا كلام الله، وقتلوا أنبياء الله، والتوراة والإنجيل زيادة عما في القرآن الكريم، أبانت جميعها عما جبلت عليه تلك النفوس على مرّ التاريخ. فرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ وصل المدينة، قد حرص على أن يؤاخي بين قلوب المؤمنين، من مهاجرين وأنصار، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم وقد ذكر ذلك ابن اسحاق، الذي رواه عنه ابن هشام في السيرة النبوية المجلد الثاني (ص 147 150).
وأبان فيه صلى الله عليه وسلم ما لهم إذا ثبتوا على العهد، وأن لهم ما للمؤمنين وعليهم ما عليهم، على اختلاف فئاتهم وتحالفهم مع أهل المدينة وأبقاهم على دينهم وأمنهم على أموالهم وأنفسهم وأولادهم ونسائهم.
وإذا عدنا الى اصل سكنى يهود المدينة وبلاد العرب، فإنها لم تكن بديارهم ولم يسكنها من أجدادهم أحد، ولكن كانوا يجدون فيما بين أيديهم من كتب، وبما أخبرهم به أنبياؤهم انه سيبعث بعد عيسى رسول يجدد دين الله، ويرفع الله قدره، وما له من المكانة والكرامة، ولأصحابه.. ويجدون صفة مهاجره، وأنها بلد ذات نخل وزرع.. فتوافدوا على كل مكان يظنّونه يطابق الوصف: خيبر والمدينة ونجران. وكانوا في حربهم مع بعض قبائل الأوس والخزرج، يتباهون بأنه إذا خرج النبيّ، فإنهم سيتبعونه ليحاربوا خصومهم وينتصروا عليهم.
ولكنهم تجبّروا وعاندوا وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لمّا جاءهم بالحقّ، وفضحهم الله في آيات كثيرة من القرآن الكريم: {أّفّكٍلَّمّا جّاءّكٍمً رّسٍولِ بٌمّا لا تّهًوّى" أّنفٍسٍكٍمٍ سًتّكًبّرًتٍمً فّفّرٌيقْا كّذَّبًتٍمً وّفّرٌيقْا تّقًتٍلٍونّ} [البقرة: 87] وأوّل الآية بيان لرسالة موسى لهم، ثم من جاء بعده، ثم عيسى عليهم جميعا الصلاة والسلام حيث أوتي عيسى البّينات وأيد بروح القدس.. ولكنه طبعهم التكذيب والمعاندة والمكر والخديعة.
فهل حفظت يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العهد، وهل صدّقت برسالته، وهم الذين جاءوا لجزيرة العرب لكي يتتبعوا أخباره، وفى اعتقادهم أنهم سيّتبعونه ويؤمنون به؟؟.
الواقع ينفي ذلك، لأنّ الطبع يغلب على التّطبع، وعامل الشرّ المتأصل في القلوب يطغى على عامل الخير الذي يُدْعَوْنَ إليه يقول سبحانه: {يّا أّهًلّ پًكٌتّابٌ قّدً جّاءّكٍمً رّسٍولٍنّا يٍبّيَنٍ لّكٍمً كّثٌيرْا مٌمَّا كٍنتٍمً تٍخًفٍونّ مٌنّ پًكٌتّابٌ وّيّعًفٍو عّن كّثٌيرُ قّدً جّاءّكٍم مٌنّ پلَّهٌ نٍورِ وّكٌتّابِ مَبٌينِ} [المائدة: 15] لكنها ظهرت عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكذيب ما جاء به من عند ربه، قال ابن اسحاق: ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة، بغياً وحسداً وضغناً، لما خصّ الله تعالى به العرب، من أخذه رسوله منهم، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج، ممن بقي على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك، والتكذيب بالبعث.
ثم ذكر الأعداء من بني النضير أحد عشر، منهم حي بن أخطب، الذي هدى الله ابنته صفية للإسلام، ورفع قدرها في الدنيا والآخرة بأن تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت من أمهات المؤمنين، وحطّ الله من قدر كعب بن الأشرف، وهو عربّي من طيّ اعتنق اليهودية وعاند مع من عاند. وقد ذكر من رؤوسهم اكثر من خمسين، ثم قال بعد ذلك: فهؤلاء أحبار اليهود وأهل الشرور والعداوة، والتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وأصحاب المسألة والنصب لأمر الاسلام والشرور لكي يطفئوه.. إلاّ ما كان من الحبرين العالمين بالتوراة: عبدالله بن سلام، ومخيريق، فقد اسلما وحسن اسلامهما وفضحا يهود في مواقف عديدة تنبىء عن عنادهم عن علم ومعرفة (سيرة ابن هشام 2: 160 163).
وقد ذكر المؤرخون، وأهل السير في قصة اسلام عبدالله بن سلام، ومخيريق، وكان كل واحد منهما حَبْراً من أحبارهم، وعالما من علمائهم، ما يفضح يهود في باطلهم، حيث قال عبدالله بن سلام: وكتمت اسلامي عن يهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله، إن يهود قوم بُهْت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك، ثم تسألهم عني حتى يخبروك، كيف أنا فيهم، قبل ان يعلموا بإسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني، قال: فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته، ودخلوا عليه فكلّموه وساءلوه ثم قال لهم: أي رجل الحصين بن سلام فيكم؟ وهذا اسمه قبل الإسلام. قالوا: سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا: فلما فرغوا من قولهم خرج إليهم ابن سلام، وقال لهم يا معشر يهود اتّقوا الله، واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، باسمه وصفته فإني أشهد أنه رسول الله وأؤمن به، وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبت ثم وقعوا فيه، قال: فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قومُ بْهت، أهل غدر وكذب وفجور. (سيرة ابن هشام 2: 164).
أما أول من نقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فهم بنو قينقاع من يهود، وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين بدر وأحد (البداية والنهاية لابن كثير 4: 7). ونقض بنو النضير العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة، وهمّوا بقتله بإلقاء صخرة عليه، حتى يستريحوا منه صلى الله عليه وسلم، فجاءه الخبر من السماء بما دبّروا فيه صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم ثم أجلاهم عن المدينة، فمنهم من ذهب إلى خيبر، ومنهم من ذهب الى الشام، وأنزل فيهم الله سبحانه سورة الحشر التي فضحت نواياهم.. وفي السنة الخامسة من الهجرة: نقض بنو قريظة العهود التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكفرهم وممالأتهم الأحزاب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلّ عليهم غضب الله سبحانه وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أيام حتى زلزلت الأرض من تحتهم ونزل بهم الرعب، ولأنهم حلفاء الأوس، فقد نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بحكم الله سبحانه من فوق سبع سموات، وأهلكهم الله جزاء غدرهم وخيانتهم.. (ينظر ابن كثير في البداية والنهاية 4: 139 163). ولما كانت الخيانة والغدر فيهم طبعا ثابتاً، ومحاربة الله ورسوله خصلة يجاهرون بها، ومعصية يصرون عليها، في كل زمان ومكان.. فإننا نجد أثر ذلك واضحا في مواقع من آيات الذكر الحكيم، فهم يعتبرون جبريل عليه السلام عدواً لهم، وقد ذكر المفسرون في قوله تعالى: {مّن كّانّ عّدٍوْا لٌلَّهٌ وّمّلائٌكّتٌهٌ وّرٍسٍلٌهٌ وّجٌبًرٌيلّ وّمٌيكّالّ فّإنَّ پلَّهّ عّدٍوَ لٌلًكّافٌرٌينّ} [البقرة: 98] نماذج من ذلك.
فقد ذكر السّيوطي في تفسيره: الدرّ المنثور: أن الطيالسي والفريابي وأحمد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، والطبراني وأبو نعيم كلهم أخرجوا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حضرت عصابة من اليهود نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال، نسألك عنهن لا يعلمهن إلاّ نبيّ؟. قال: «سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة الله، وما أخذ يعقوب على نبيه، لئن أنا حدّثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعنّي»؟ قالوا: فذلك لك..
قالوا: أربع خلال نسألك عنها: أخبرنا عن أي طعام حرّم اسرائيل على نفسه، من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء الرجل من ماء المرأة، وكيف الانثى منه الذكر؟. وأخبرنا كيف هذا النبي الأميّ في النوم؟. ومن وليّه من الملائكة؟ فأخذ عليهم عهد الله لئن أخبرتكم لتتابعنّي.. فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق.
قال صلى الله عليه وسلم: فأنشدكم بالذي أنزل التوراة هل تعلمون أن اسرائيل مرض مرضاً طال سقمه، فنذر نذراً لئن عافاه الله من سقمه ليحرمنّ أحب الشراب إليه، وأحبّ الطعام إليه؟ وكان أحبّ الطعام إليه، لُحْمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟. فقالوا: اللهم نعم.
فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم فاشهد.. ثم قال: أنشدكم بالذي لا إله إلاّ هو هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشّبه، بإذن الله سبحانه، إن علا ماء الرجل كان ذكراً بإذن الله، وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم أشهد.. ثم قال: فأنشدكم بالذي أنزل التّوراة على موسى هل تعلمون أن النبيّ الأميّ هذا تنام عيناه، ولا ينام قلبه؟. قالوا: نعم. قال: اللهم أشهد عليهم.
قالوا: أنت الآن، فحدّثنا فحدثنا عن وليّك من الملائكة.. فعندها نتابعك أو نفارقك؟. قال صلى الله عليه وسلم: ولييّ جبريل، ولم يبعث الله نبياً قطّ إلاّ وهو وليه، قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة لاتّبعناك وصدّقناك قال صلى الله عليه وسلم: فما يمنعكم أن تصدّقوه؟. قالوا: هو عدوّنا.. فأنزل الله: {قٍلً مّن كّانّ عّدٍوْا لٌجٌبًرٌيلّ فّإنَّهٍ نّزَّلّهٍ عّلّى" قّلًبٌكّ بٌإذًنٌ پلَّهٌ مٍصّدٌقْا لٌمّا بّيًنّ يّدّيًهٌ وّهٍدْى وّبٍشًرّى" لٌلًمٍؤًمٌنٌين، مّن كّانّ عّدٍوْا لَلَّهٌ وّمّلائٌكّتٌهٌ وّرٍسٍلٌهٌ وّجٌبًرٌيلّ وّمٌيكّالّ فّإنَّ پلَّهّ عّدٍوَ لٌلًكّافٌرٌينّ، وّلّقّدً أّنزّلًنّا إلّيًكّ آيّاتُ بّيٌنّاتُ وّمّا يّكًفٍرٍ بٌهّا إلاَّ پًفّاسٌقٍونّ ، أّوّ كٍلَّمّا عّاهّدٍوا عّهًدْا نَّبّذّهٍ فّرٌيقِ مٌنًهٍمً بّلً أّكًثّرٍهٍمً لا يٍؤًمٌنٍونّ ، وّلّمَّا جّاءّهٍمً رّسٍولِ مٌنً عٌندٌ پلَّهٌ مٍصّدٌقِ لٌمّا مّعّهٍمً نّبّذّ فّرٌيقِ مٌنّ پَّذٌينّ أٍوتٍوا پًكٌتّابّ كٌتّابّ پلَّهٌ وّرّاءّ ظٍهٍورٌهٌمً كّأّنَّهٍمً لا يّعًلّمٍونّ} [البقرة: 97 101] .. فعند ذلك باؤوا بغضب على غضب (1: 221 222).
وأورد في موضع قصة عمر بن الخطاب رضي الله ع ه مع نفر من اليهود، من أحبارهم وعلمائهم، قال: أو خرج ابن جرير عن السّدي قال: لماّ كان لعمر رضي الله عنه أرض بأعلى المدينة، فكان يأتيها، وكان ممره على مدارس اليهود، وكان كلما مرّ دخل عليهم فسمع منهم، وأنه دخل عليهم ذات يوم فقال لهم: أنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء، أتجدون محمداً عندكم؟. قالوا: نعم، إنّا نجده مكتوبا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي جبريل، وجبريل عدوّنا، وهو صاحب كل عذاب، وقتال وخسف، ولو كان وليه ميكائيل لآمنّا به..
فإن ميكائيل صاحب كل رحمة، وكل غيث، قال عمر: فأين جبريل من الله؟. قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره.. قال عمر: فأشهدكم أن الذي عدوّ للذي عن يمينه، عدوّ للذي هو عن يساره، والذي هو عدوّ للذي عن يساره، عدوّ للذي هو عن يمينه، وأنه من كان عدّوهما، فإنه عدوّ لله، ثم رجع عمر ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: فوجدت جبريل قد سبقني بالوحي.
فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه: {قٍلً مّن كّانّ عّدٍوَْا لٌَجٌبًرٌيلّ} الآية.. فقال عمر.. والذي بعثك بالحق لقد جئت، وما أريد إلا أن أخبرك.. (السابق 1: 224).
إن الصفات التي مرّ بنا جزء منها، الراسخة في طبائع بعض اليهود، والتي تمثلها سياسة شارون العدوانية، ما ظهر منها وما خفي، كما بان عمله في مذابح صبرا وشاتيلا، وإعلانه وبصراحة الأسف، حيث لم يقض على ياسر عرفات، وتصفيته، كما هو عمله الظاهر، في تصفية الشعب الفلسطيني: نساء قبل الرجال، وقيادات قبل العامة، وأطفالا بلا هوادة..
هذه الصفات قد أبرزها قادة الصهاينة، في كتاب ينبئ عن نظرتهم للعالم بأسره، وعداوتهم للجنس البشريّ، هو بروتوكولات حكماء صهيون، الذي أحدث ضجة دولية عند العثور عليه وترجم لعدة لغات عالمية، ومنها اللغة العربية، حيث ينبئ عن نوايا وأحقاد.. {وّيّمًكٍرٍونّ وّيّمًكٍرٍ پلَّهٍ وّاللَّهٍ خّيًرٍ پًمّاكٌرٌينّ } [الأنفال: 30] فاستحقوا غضب الله ولعنته: {قٍلً هّلً أٍنّبَئٍكٍم بٌشّرُ مٌن ذّلٌكّ مّثٍوبّةْ عٌندّ پلَّهٌ مّن لَّعّنّهٍ پلَّهٍ وّغّضٌبّ عّلّيًهٌ وّجّعّلّ مٌنًهٍمٍ پًقٌرّدّةّ وّالًخّنّازٌيرّ وّعّبّدّ پطَّاغٍوتّ أٍوًلّئٌكّ شّرَ مَّكّانْا وأّضّلَ عّن سّوّاءٌ پسَّبٌيلٌ(60)} [المائدة: 60]، لأنهم كذبوا على الله، وعصوا رسله عن إصرار ومعرفة، ولا ينصاعون للحق الذي جاء من عند الله.
ووعدوا بعذاب شديد لتعاليهم بمالهم وحيلهم ووصفهم ربّ العزة بالفقير تعالى عن ذلك: {لّقّدً سّمٌعّ پلَّهٍ قّوًلّ پَّذٌينّ قّالٍوا إنَّ پلَّهّ فّقٌيرِ وّنّحًنٍ أّغًنٌيّاءٍ سّنّكًتٍبٍ مّا قّالٍوا وّقّتًلّهٍمٍ الأّنبٌيّاءّ بٌغّيًرٌ حّقُ وّنّقٍولٍ ذٍوقٍوا عّذّابّ پًحّرٌيقٌ} [آل عمران: 181] وبأعمالهم السيئة ضربت عليهم الذلّة والمسكنة.. وقولهم على الله بالكذب والبهتان، وبمسارعتهم في الإثم والعدوان، وأكلهم السحت، فقد ضرب الله عليهم صفات تلازمهم إلى الأبد: {وّقّالّتٌ پًيّهٍودٍ يّدٍ پلَّهٌ مّغًلٍولّةِ غٍلَّتً أّيًدٌيهٌمً وّلٍعٌنٍوا بٌمّا قّالٍوا بّلً يّدّاهٍ مّبًسٍوطّتّانٌ يٍنفٌقٍ كّيًفّ يّشّاءٍ وّلّيّزٌيدّنَّ كّثٌيرْا مَنًهٍم مَّا أٍنزٌلّ إلّيًكّ مٌن رَّبٌكّ طٍغًيّانْا وّكٍفًرْا وّأّلًقّيًنّا بّيًنّهٍمٍ پًعّدّاوّةّ وّالًبّغًضّاءّ إلّى" يّوًمٌ پًقٌيّامّةٌ كٍلَّمّا أّوًقّدٍوا نّارْا لَلًحّرًبٌ أّطًفّأّهّا پلَّهٍ وّيّسًعّوًنّ فٌي الأّرًضٌ فّسّادْا وّاللَّهٍ لا يٍحٌبَ پًمٍفًسٌدٌينّ } [المائدة: 64]
واليهوم هم أشدّ الناس للذين آمنوا عداوة بل هم أشدّ من عبدة الأوثان، وأقربهم موّدة للمؤمنين النصارى لصفات ذكرها الله فيهم وضرب الله عليهم الذلّة والمسكنة، ولا يكون لهم صوت الاّ بحبل من الله وحبل من الناس، كما نرى تعلّقهم ببعض الأمم اليوم ليساعدوهم: {ضٍرٌبّتً عّلّيًهٌمٍ پذٌلَّةٍ أّيًنّ مّا ثٍقٌفٍوا إلاَّ بٌحّبًلُ مٌنّ پلَّهٌ وّحّبًلُ مٌنّ پنَّاسٌ وّبّاءٍوا بٌغّضّبُ مٌنّ پلَّهٌ وّضٍرٌبّتً عّلّيًهٌمٍ پًمّسًكّنّةٍ..} [آل عمران: 112]. وأعمالهم الدنيئة، وصفاتهم الرذيلة التي تنبئ عن الكذب وخبث الطباع في كتاب الله كثيرة، ولذا نراهم يعادون القرآن الكريم لكشفه خبايا نفوسهم وكذبهم، وخسّة طباعهم.
قصة صفية بنت حييّ
صفيّة بنت حييّ من بني النضير أنقذها الله من الكفر، فكانت من خيرة نساء المسلمين، تزّوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت من أمهات المؤمنين، قال ابن كثير في تاريخه: كان من شأنها أنه لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير من المدينة ذهب عامّتهم إلى خيبر وفيهم حييّ بن أخطب، وبنو أبي الحقيق، وكانوا ذوي أموال وشرف في قومهم، وكانت صفيّة إذْ ذاك طفلة دون البلوغ ثم لمّا تأهلت للتزويج تزوجها بعض بني عمها فلما زفّت إليه وأدخلت عليه بنى بها، ومضى على ذلك ليال، رأت في منامها كأن قمر السماء قد سقط في حجرها، فقصّتْ رؤياها على ابن عمها، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها، وقال: أتتمنّين ملك يثرب أن يصير بعلك فما كان إلاّ مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصاره إياهم فكانت صفيّة في جماع السّبي، قال ابن اسحاق وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع زوج صفية وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة: (أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك؟) قال: نعم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤدّيه فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير للتحقيق معه، ثم دفعه إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة الذي قتله اليهود.
ولما اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت في حوزه وملكه، وبنى بها استبرأها وحلّها.. فوجد أثر تلك اللّطمة في خدّها، فسألها ما شأنها فذكرت له ما كانت رأت من تلك الرؤيا الصالحة رضي الله عنها وأرضاها.. قال البخاري حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس بن مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريباً من خيبر بغلس، ثم قال: الله اكبر ضربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرجوا يسعون في السّكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية وكان في السّبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبيّ ثم صارت الى النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صداقها. وقد أولم عليها حيساً في نطع صغير، قال أنس بن مالك: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجليها على ركبته حتى تركب رضي الله عنها (البداية والنهاية 4: 230 231).
الكذب.. والخيانة من خصال اليهود
د. محمد بن سعد الشويعر
خصال كثيرة، يتوارثها فئات من اليهود، على مسيرة التاريخ تتمثل في الغطرسة والكذب، وقلب الحقائق والخيانة في العهود والوثائق المأخوذة عليهم، إلى جانب الحقد الدفين. نرى هذه الأمور بارزة في شارون، والمتطرفين معه، حيث يقلب الحقائق ليبرهن على أعماله حيال الشعب الفلسطيني الأعزل، تقتيلا وتهديما للمساكن على أهلها، وجرفاً للديار، واقتلاعاً للأشجار التي عليها حياة البشر وكل كائن حيّ.. بأعمال هي أسوأ ما عرفت في التاريخ. يعتدّ بقوته، وما علم أن الله أشدّ منه قوة، لا يفي بوعد ولا ينصاع لحكم، إنه يمثل الطائفة الذين مقتهم الله في القرآن الكريم، وعلى لسان أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.
أولئك الذين كذبوا على الله، وحرّفوا كلام الله، وقتلوا أنبياء الله، والتوراة والإنجيل زيادة عما في القرآن الكريم، أبانت جميعها عما جبلت عليه تلك النفوس على مرّ التاريخ. فرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ وصل المدينة، قد حرص على أن يؤاخي بين قلوب المؤمنين، من مهاجرين وأنصار، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم وقد ذكر ذلك ابن اسحاق، الذي رواه عنه ابن هشام في السيرة النبوية المجلد الثاني (ص 147 150).
وأبان فيه صلى الله عليه وسلم ما لهم إذا ثبتوا على العهد، وأن لهم ما للمؤمنين وعليهم ما عليهم، على اختلاف فئاتهم وتحالفهم مع أهل المدينة وأبقاهم على دينهم وأمنهم على أموالهم وأنفسهم وأولادهم ونسائهم.
وإذا عدنا الى اصل سكنى يهود المدينة وبلاد العرب، فإنها لم تكن بديارهم ولم يسكنها من أجدادهم أحد، ولكن كانوا يجدون فيما بين أيديهم من كتب، وبما أخبرهم به أنبياؤهم انه سيبعث بعد عيسى رسول يجدد دين الله، ويرفع الله قدره، وما له من المكانة والكرامة، ولأصحابه.. ويجدون صفة مهاجره، وأنها بلد ذات نخل وزرع.. فتوافدوا على كل مكان يظنّونه يطابق الوصف: خيبر والمدينة ونجران. وكانوا في حربهم مع بعض قبائل الأوس والخزرج، يتباهون بأنه إذا خرج النبيّ، فإنهم سيتبعونه ليحاربوا خصومهم وينتصروا عليهم.
ولكنهم تجبّروا وعاندوا وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لمّا جاءهم بالحقّ، وفضحهم الله في آيات كثيرة من القرآن الكريم: {أّفّكٍلَّمّا جّاءّكٍمً رّسٍولِ بٌمّا لا تّهًوّى" أّنفٍسٍكٍمٍ سًتّكًبّرًتٍمً فّفّرٌيقْا كّذَّبًتٍمً وّفّرٌيقْا تّقًتٍلٍونّ} [البقرة: 87] وأوّل الآية بيان لرسالة موسى لهم، ثم من جاء بعده، ثم عيسى عليهم جميعا الصلاة والسلام حيث أوتي عيسى البّينات وأيد بروح القدس.. ولكنه طبعهم التكذيب والمعاندة والمكر والخديعة.
فهل حفظت يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العهد، وهل صدّقت برسالته، وهم الذين جاءوا لجزيرة العرب لكي يتتبعوا أخباره، وفى اعتقادهم أنهم سيّتبعونه ويؤمنون به؟؟.
الواقع ينفي ذلك، لأنّ الطبع يغلب على التّطبع، وعامل الشرّ المتأصل في القلوب يطغى على عامل الخير الذي يُدْعَوْنَ إليه يقول سبحانه: {يّا أّهًلّ پًكٌتّابٌ قّدً جّاءّكٍمً رّسٍولٍنّا يٍبّيَنٍ لّكٍمً كّثٌيرْا مٌمَّا كٍنتٍمً تٍخًفٍونّ مٌنّ پًكٌتّابٌ وّيّعًفٍو عّن كّثٌيرُ قّدً جّاءّكٍم مٌنّ پلَّهٌ نٍورِ وّكٌتّابِ مَبٌينِ} [المائدة: 15] لكنها ظهرت عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكذيب ما جاء به من عند ربه، قال ابن اسحاق: ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة، بغياً وحسداً وضغناً، لما خصّ الله تعالى به العرب، من أخذه رسوله منهم، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج، ممن بقي على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك، والتكذيب بالبعث.
ثم ذكر الأعداء من بني النضير أحد عشر، منهم حي بن أخطب، الذي هدى الله ابنته صفية للإسلام، ورفع قدرها في الدنيا والآخرة بأن تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت من أمهات المؤمنين، وحطّ الله من قدر كعب بن الأشرف، وهو عربّي من طيّ اعتنق اليهودية وعاند مع من عاند. وقد ذكر من رؤوسهم اكثر من خمسين، ثم قال بعد ذلك: فهؤلاء أحبار اليهود وأهل الشرور والعداوة، والتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وأصحاب المسألة والنصب لأمر الاسلام والشرور لكي يطفئوه.. إلاّ ما كان من الحبرين العالمين بالتوراة: عبدالله بن سلام، ومخيريق، فقد اسلما وحسن اسلامهما وفضحا يهود في مواقف عديدة تنبىء عن عنادهم عن علم ومعرفة (سيرة ابن هشام 2: 160 163).
وقد ذكر المؤرخون، وأهل السير في قصة اسلام عبدالله بن سلام، ومخيريق، وكان كل واحد منهما حَبْراً من أحبارهم، وعالما من علمائهم، ما يفضح يهود في باطلهم، حيث قال عبدالله بن سلام: وكتمت اسلامي عن يهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله، إن يهود قوم بُهْت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك، ثم تسألهم عني حتى يخبروك، كيف أنا فيهم، قبل ان يعلموا بإسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني، قال: فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته، ودخلوا عليه فكلّموه وساءلوه ثم قال لهم: أي رجل الحصين بن سلام فيكم؟ وهذا اسمه قبل الإسلام. قالوا: سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا: فلما فرغوا من قولهم خرج إليهم ابن سلام، وقال لهم يا معشر يهود اتّقوا الله، واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، باسمه وصفته فإني أشهد أنه رسول الله وأؤمن به، وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبت ثم وقعوا فيه، قال: فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قومُ بْهت، أهل غدر وكذب وفجور. (سيرة ابن هشام 2: 164).
أما أول من نقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فهم بنو قينقاع من يهود، وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين بدر وأحد (البداية والنهاية لابن كثير 4: 7). ونقض بنو النضير العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة، وهمّوا بقتله بإلقاء صخرة عليه، حتى يستريحوا منه صلى الله عليه وسلم، فجاءه الخبر من السماء بما دبّروا فيه صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم ثم أجلاهم عن المدينة، فمنهم من ذهب إلى خيبر، ومنهم من ذهب الى الشام، وأنزل فيهم الله سبحانه سورة الحشر التي فضحت نواياهم.. وفي السنة الخامسة من الهجرة: نقض بنو قريظة العهود التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكفرهم وممالأتهم الأحزاب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلّ عليهم غضب الله سبحانه وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أيام حتى زلزلت الأرض من تحتهم ونزل بهم الرعب، ولأنهم حلفاء الأوس، فقد نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بحكم الله سبحانه من فوق سبع سموات، وأهلكهم الله جزاء غدرهم وخيانتهم.. (ينظر ابن كثير في البداية والنهاية 4: 139 163). ولما كانت الخيانة والغدر فيهم طبعا ثابتاً، ومحاربة الله ورسوله خصلة يجاهرون بها، ومعصية يصرون عليها، في كل زمان ومكان.. فإننا نجد أثر ذلك واضحا في مواقع من آيات الذكر الحكيم، فهم يعتبرون جبريل عليه السلام عدواً لهم، وقد ذكر المفسرون في قوله تعالى: {مّن كّانّ عّدٍوْا لٌلَّهٌ وّمّلائٌكّتٌهٌ وّرٍسٍلٌهٌ وّجٌبًرٌيلّ وّمٌيكّالّ فّإنَّ پلَّهّ عّدٍوَ لٌلًكّافٌرٌينّ} [البقرة: 98] نماذج من ذلك.
فقد ذكر السّيوطي في تفسيره: الدرّ المنثور: أن الطيالسي والفريابي وأحمد، وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، والطبراني وأبو نعيم كلهم أخرجوا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حضرت عصابة من اليهود نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال، نسألك عنهن لا يعلمهن إلاّ نبيّ؟. قال: «سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة الله، وما أخذ يعقوب على نبيه، لئن أنا حدّثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعنّي»؟ قالوا: فذلك لك..
قالوا: أربع خلال نسألك عنها: أخبرنا عن أي طعام حرّم اسرائيل على نفسه، من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء الرجل من ماء المرأة، وكيف الانثى منه الذكر؟. وأخبرنا كيف هذا النبي الأميّ في النوم؟. ومن وليّه من الملائكة؟ فأخذ عليهم عهد الله لئن أخبرتكم لتتابعنّي.. فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق.
قال صلى الله عليه وسلم: فأنشدكم بالذي أنزل التوراة هل تعلمون أن اسرائيل مرض مرضاً طال سقمه، فنذر نذراً لئن عافاه الله من سقمه ليحرمنّ أحب الشراب إليه، وأحبّ الطعام إليه؟ وكان أحبّ الطعام إليه، لُحْمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟. فقالوا: اللهم نعم.
فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم فاشهد.. ثم قال: أنشدكم بالذي لا إله إلاّ هو هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشّبه، بإذن الله سبحانه، إن علا ماء الرجل كان ذكراً بإذن الله، وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم أشهد.. ثم قال: فأنشدكم بالذي أنزل التّوراة على موسى هل تعلمون أن النبيّ الأميّ هذا تنام عيناه، ولا ينام قلبه؟. قالوا: نعم. قال: اللهم أشهد عليهم.
قالوا: أنت الآن، فحدّثنا فحدثنا عن وليّك من الملائكة.. فعندها نتابعك أو نفارقك؟. قال صلى الله عليه وسلم: ولييّ جبريل، ولم يبعث الله نبياً قطّ إلاّ وهو وليه، قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة لاتّبعناك وصدّقناك قال صلى الله عليه وسلم: فما يمنعكم أن تصدّقوه؟. قالوا: هو عدوّنا.. فأنزل الله: {قٍلً مّن كّانّ عّدٍوْا لٌجٌبًرٌيلّ فّإنَّهٍ نّزَّلّهٍ عّلّى" قّلًبٌكّ بٌإذًنٌ پلَّهٌ مٍصّدٌقْا لٌمّا بّيًنّ يّدّيًهٌ وّهٍدْى وّبٍشًرّى" لٌلًمٍؤًمٌنٌين، مّن كّانّ عّدٍوْا لَلَّهٌ وّمّلائٌكّتٌهٌ وّرٍسٍلٌهٌ وّجٌبًرٌيلّ وّمٌيكّالّ فّإنَّ پلَّهّ عّدٍوَ لٌلًكّافٌرٌينّ، وّلّقّدً أّنزّلًنّا إلّيًكّ آيّاتُ بّيٌنّاتُ وّمّا يّكًفٍرٍ بٌهّا إلاَّ پًفّاسٌقٍونّ ، أّوّ كٍلَّمّا عّاهّدٍوا عّهًدْا نَّبّذّهٍ فّرٌيقِ مٌنًهٍمً بّلً أّكًثّرٍهٍمً لا يٍؤًمٌنٍونّ ، وّلّمَّا جّاءّهٍمً رّسٍولِ مٌنً عٌندٌ پلَّهٌ مٍصّدٌقِ لٌمّا مّعّهٍمً نّبّذّ فّرٌيقِ مٌنّ پَّذٌينّ أٍوتٍوا پًكٌتّابّ كٌتّابّ پلَّهٌ وّرّاءّ ظٍهٍورٌهٌمً كّأّنَّهٍمً لا يّعًلّمٍونّ} [البقرة: 97 101] .. فعند ذلك باؤوا بغضب على غضب (1: 221 222).
وأورد في موضع قصة عمر بن الخطاب رضي الله ع ه مع نفر من اليهود، من أحبارهم وعلمائهم، قال: أو خرج ابن جرير عن السّدي قال: لماّ كان لعمر رضي الله عنه أرض بأعلى المدينة، فكان يأتيها، وكان ممره على مدارس اليهود، وكان كلما مرّ دخل عليهم فسمع منهم، وأنه دخل عليهم ذات يوم فقال لهم: أنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء، أتجدون محمداً عندكم؟. قالوا: نعم، إنّا نجده مكتوبا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي جبريل، وجبريل عدوّنا، وهو صاحب كل عذاب، وقتال وخسف، ولو كان وليه ميكائيل لآمنّا به..
فإن ميكائيل صاحب كل رحمة، وكل غيث، قال عمر: فأين جبريل من الله؟. قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره.. قال عمر: فأشهدكم أن الذي عدوّ للذي عن يمينه، عدوّ للذي هو عن يساره، والذي هو عدوّ للذي عن يساره، عدوّ للذي هو عن يمينه، وأنه من كان عدّوهما، فإنه عدوّ لله، ثم رجع عمر ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: فوجدت جبريل قد سبقني بالوحي.
فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه: {قٍلً مّن كّانّ عّدٍوَْا لٌَجٌبًرٌيلّ} الآية.. فقال عمر.. والذي بعثك بالحق لقد جئت، وما أريد إلا أن أخبرك.. (السابق 1: 224).
إن الصفات التي مرّ بنا جزء منها، الراسخة في طبائع بعض اليهود، والتي تمثلها سياسة شارون العدوانية، ما ظهر منها وما خفي، كما بان عمله في مذابح صبرا وشاتيلا، وإعلانه وبصراحة الأسف، حيث لم يقض على ياسر عرفات، وتصفيته، كما هو عمله الظاهر، في تصفية الشعب الفلسطيني: نساء قبل الرجال، وقيادات قبل العامة، وأطفالا بلا هوادة..
هذه الصفات قد أبرزها قادة الصهاينة، في كتاب ينبئ عن نظرتهم للعالم بأسره، وعداوتهم للجنس البشريّ، هو بروتوكولات حكماء صهيون، الذي أحدث ضجة دولية عند العثور عليه وترجم لعدة لغات عالمية، ومنها اللغة العربية، حيث ينبئ عن نوايا وأحقاد.. {وّيّمًكٍرٍونّ وّيّمًكٍرٍ پلَّهٍ وّاللَّهٍ خّيًرٍ پًمّاكٌرٌينّ } [الأنفال: 30] فاستحقوا غضب الله ولعنته: {قٍلً هّلً أٍنّبَئٍكٍم بٌشّرُ مٌن ذّلٌكّ مّثٍوبّةْ عٌندّ پلَّهٌ مّن لَّعّنّهٍ پلَّهٍ وّغّضٌبّ عّلّيًهٌ وّجّعّلّ مٌنًهٍمٍ پًقٌرّدّةّ وّالًخّنّازٌيرّ وّعّبّدّ پطَّاغٍوتّ أٍوًلّئٌكّ شّرَ مَّكّانْا وأّضّلَ عّن سّوّاءٌ پسَّبٌيلٌ(60)} [المائدة: 60]، لأنهم كذبوا على الله، وعصوا رسله عن إصرار ومعرفة، ولا ينصاعون للحق الذي جاء من عند الله.
ووعدوا بعذاب شديد لتعاليهم بمالهم وحيلهم ووصفهم ربّ العزة بالفقير تعالى عن ذلك: {لّقّدً سّمٌعّ پلَّهٍ قّوًلّ پَّذٌينّ قّالٍوا إنَّ پلَّهّ فّقٌيرِ وّنّحًنٍ أّغًنٌيّاءٍ سّنّكًتٍبٍ مّا قّالٍوا وّقّتًلّهٍمٍ الأّنبٌيّاءّ بٌغّيًرٌ حّقُ وّنّقٍولٍ ذٍوقٍوا عّذّابّ پًحّرٌيقٌ} [آل عمران: 181] وبأعمالهم السيئة ضربت عليهم الذلّة والمسكنة.. وقولهم على الله بالكذب والبهتان، وبمسارعتهم في الإثم والعدوان، وأكلهم السحت، فقد ضرب الله عليهم صفات تلازمهم إلى الأبد: {وّقّالّتٌ پًيّهٍودٍ يّدٍ پلَّهٌ مّغًلٍولّةِ غٍلَّتً أّيًدٌيهٌمً وّلٍعٌنٍوا بٌمّا قّالٍوا بّلً يّدّاهٍ مّبًسٍوطّتّانٌ يٍنفٌقٍ كّيًفّ يّشّاءٍ وّلّيّزٌيدّنَّ كّثٌيرْا مَنًهٍم مَّا أٍنزٌلّ إلّيًكّ مٌن رَّبٌكّ طٍغًيّانْا وّكٍفًرْا وّأّلًقّيًنّا بّيًنّهٍمٍ پًعّدّاوّةّ وّالًبّغًضّاءّ إلّى" يّوًمٌ پًقٌيّامّةٌ كٍلَّمّا أّوًقّدٍوا نّارْا لَلًحّرًبٌ أّطًفّأّهّا پلَّهٍ وّيّسًعّوًنّ فٌي الأّرًضٌ فّسّادْا وّاللَّهٍ لا يٍحٌبَ پًمٍفًسٌدٌينّ } [المائدة: 64]
واليهوم هم أشدّ الناس للذين آمنوا عداوة بل هم أشدّ من عبدة الأوثان، وأقربهم موّدة للمؤمنين النصارى لصفات ذكرها الله فيهم وضرب الله عليهم الذلّة والمسكنة، ولا يكون لهم صوت الاّ بحبل من الله وحبل من الناس، كما نرى تعلّقهم ببعض الأمم اليوم ليساعدوهم: {ضٍرٌبّتً عّلّيًهٌمٍ پذٌلَّةٍ أّيًنّ مّا ثٍقٌفٍوا إلاَّ بٌحّبًلُ مٌنّ پلَّهٌ وّحّبًلُ مٌنّ پنَّاسٌ وّبّاءٍوا بٌغّضّبُ مٌنّ پلَّهٌ وّضٍرٌبّتً عّلّيًهٌمٍ پًمّسًكّنّةٍ..} [آل عمران: 112]. وأعمالهم الدنيئة، وصفاتهم الرذيلة التي تنبئ عن الكذب وخبث الطباع في كتاب الله كثيرة، ولذا نراهم يعادون القرآن الكريم لكشفه خبايا نفوسهم وكذبهم، وخسّة طباعهم.
قصة صفية بنت حييّ
صفيّة بنت حييّ من بني النضير أنقذها الله من الكفر، فكانت من خيرة نساء المسلمين، تزّوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت من أمهات المؤمنين، قال ابن كثير في تاريخه: كان من شأنها أنه لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير من المدينة ذهب عامّتهم إلى خيبر وفيهم حييّ بن أخطب، وبنو أبي الحقيق، وكانوا ذوي أموال وشرف في قومهم، وكانت صفيّة إذْ ذاك طفلة دون البلوغ ثم لمّا تأهلت للتزويج تزوجها بعض بني عمها فلما زفّت إليه وأدخلت عليه بنى بها، ومضى على ذلك ليال، رأت في منامها كأن قمر السماء قد سقط في حجرها، فقصّتْ رؤياها على ابن عمها، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها، وقال: أتتمنّين ملك يثرب أن يصير بعلك فما كان إلاّ مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصاره إياهم فكانت صفيّة في جماع السّبي، قال ابن اسحاق وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع زوج صفية وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة: (أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك؟) قال: نعم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤدّيه فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير للتحقيق معه، ثم دفعه إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة الذي قتله اليهود.
ولما اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت في حوزه وملكه، وبنى بها استبرأها وحلّها.. فوجد أثر تلك اللّطمة في خدّها، فسألها ما شأنها فذكرت له ما كانت رأت من تلك الرؤيا الصالحة رضي الله عنها وأرضاها.. قال البخاري حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس بن مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريباً من خيبر بغلس، ثم قال: الله اكبر ضربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرجوا يسعون في السّكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية وكان في السّبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبيّ ثم صارت الى النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صداقها. وقد أولم عليها حيساً في نطع صغير، قال أنس بن مالك: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجليها على ركبته حتى تركب رضي الله عنها (البداية والنهاية 4: 230 231).